السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوانى وأخواتى أحبتى فى الله
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يلقي بعض الأسئلة على أصحابه ليستخرج منها
للناس ما ينفعهم فى دينهم ودنياهم وذالك لتثبيت وترسيخ هذه الأمور إن كانت من أمور العقيدة
أو كانت من أمور الدنيا، فى بعض الأحاديث والحديث المتفق عليه من حديث معاذ بن جبل ،
وهذا ما نعرضه لما فيه من الأمور الهامة فى العقيدة الصحيحة وأصول الدين التى تحدثت
فيها الفرق الآخرى والمعتزلة بالأخص ولهذا نذكر الحديث وتوضيح رأى المعتزلة، للعلم
سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه عن حق الله على العباد
وكان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يلقي مثل هذه الأسئلة، مثل الحديث المتفق عليه من حديث معاذ بن جبل ،
ومن حديث أنس بن مالك ، فـأنس يرويه مرة عن معاذ ، ومرة يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب حماراً يقال له: عفير، وأردف معاذ بن جبل خلفه،
ثم قال: يا معاذ! ..... فقلت: لبيك رسول الله وسعديك،
فتركه، ثم سار ساعة،
ثم قال: يا معاذ بن جبل! ..... فقلت: لبيك يا رسول الله! وسعديك!
فسار ساعة ولم يتكلم،
{كأنه نوع من أنواع التشويق لأثارة الأنتباه ليثبت ويرسخ فى العقل ما سيقول}
(صلى الله عليه وسلم)
ثم قال: يا معاذ! ..... قلت: لبيك رسول الله وسعديك!
قال: هل تدري ما حق الله على العباد؟ ..... قلت: الله ورسوله أعلم).
وهذا السؤال لو سئل أي واحد منا لأجاب في الحال؛ لأن السؤال سهل: حق الله على العباد ماذا؟
أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، لكن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا ليتقدموا بالقول على
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه صلى الله عليه وسلم قد يجيب بجواب
أطول وأكمل وأفضل، فهو يتركه ليجيب،
( قال: أتدري ما حق الله على العباد، ..... قلت: الله ورسوله أعلم،
قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً،
ثم قال: يا معاذ بن جبل! ..... قلت: لبيك رسول الله وسعديك،
قال: أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟ ..... قلت: الله ورسوله أعلم).
هذا نظير الحديث الذي سيأتينا أيضاً (أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه يوم النحر،
قال: أي شهر هذا؟ ..... فقالوا: الله ورسوله أعلم)،
ما الذي جعلهم لا يتكلمون؟ في بعض الروايات قالوا: (فظننا أنه سيسميه بغير اسمه)؛ لأنهم ظنوا
أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسأل عن حاجة بديهية، كونهم يعرفون أنهم في ذي الحجة،انظر:
الفطنة والذكاء. ولأن السؤال خرج عن أصله، وهو لا يقصد الجواب المباشر، يعني أنا لو قلت لكم:
أين نحن جالسون الآن؟ لو أساء رجل الظن وقال: لعل الأخ هذا غير منتبه أم ماذا؟ أو اختلط؟
سيقول: ألسنا جالسين في المسجد؟!! ، هل هذا مما يتوه المرء فيه عندما أسأل أين نحن جالسون؟
وأنا أعرف أننا في المسجد، يجب أن تعلم أني أقصد بهذا السؤال شيئاً غير مباشر، لا أريد الإجابة
المباشرة التي نعرفها جميعاً، هذا هو ما فهمه الصحابة.
(قال لهم : أي شهر هذا؟ ..... قالوا: الله ورسوله أعلم،
قال: أليس ذا الحجة {لاحظ أنه لم يغير شيئاً} ..... قالوا: بلى،
قال: فأي بلد هذا؟
{كان بإمكانهم أن يقولوا: البلد الحرام؛ لأنه لم يغير شيئاً في الإجابة الأولى}
قالوا: الله ورسوله أعلم،
قال: أليس البلد الحرام؟ ..... قالوا: بلى،
قال: فأي يوم هذا؟ {أظن كان لهم أن يقولوا: يوم النحر؛ لأنها الإجابة الثالثة، أليس كذلك}
قالوا: الله ورسوله أعلم،
قال: أليس يوم النحر؟ ..... قالوا: بلى
{لاحظ الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا سيقول الآن؟!}
قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا )
الثلاث القضايا التي أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينبه عليها كانت مهدرة في الجاهلية.
كما في قصة المغيرة بن شعبة مع نفر من بعض قبائل العرب قبل أن يسلم، فلما شربوا
الخمر قام وذبحهم كلهم، وأخذ أموالهم، وفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً،
(فقال:يا رسول الله! قد أسلمت، والمال هذا حكايته كذا وكذا، وذبحتهم وأخذت أموالهم وأتيت،
وخذ المال، فقال عليه الصلاة والسلام: أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيءٍ)،
لأنه أُخذ غدراً .
ومسألة قتل النفوس وقتل الرجال والنساء فإن العرب قبل الإسلام كانوا يفعلونه، فمسألة
الدماء والأموال والأعراض كانت مسألة غير مستقرة عند العرب، ولم يكن لها قيمة، لكنهم
كانوا يعظمون الشهر الحرام والبلد الحرام ويوم النحر، فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد
أن يقرب لهم المعنى، ووجه لهم الأسئلة بالطريقة التي سمعتموها، يعني:
إذا كنتم تعظمون المكان والشهر واليوم وتحرمونها فكذلك الدماء والأموال
والأعراض، حرام عليكم كحرمة تلك الأشياء. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان ما بين الفينة
والفينة يختبر أصحابه، يقول لـمعاذ :
(يا معاذ بن جبل أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟ ..... قال: الله ورسوله أعلم،
قال: أن لا يعذبهم).
من الأقوال الشنيعة للمعتزلة في مسألة حق العباد على الله
مسألة حق العباد على الله لابد أن نبينها؛ لأن المعتزلة لهم كلامٌ قبيح في هذه المسألة،
يقولون: يجب على الله أن يفعل الأصلح لعبده! لاحظ سخافة العبارة:
(يجب على الله أن يفعل الأصلح لعبده).
ليس لأحد على الله حق أصلاً إلا بمقتضى الوعد. الله سبحانه وتعالى وعد من أطاعه أن
يدخله الجنة، فصار حقاً له بوعد الله، إذ أنه لا يخلف الميعاد، بهذا فقط. مقتضى كلامهم
إنما ليس للعباد حق على الله تبارك وتعالى ابتداءً، ولذلك يجب على الله أن يفعل الأصلح
لعباده، هذه الكلمة هي التي أخرجت أبا الحسن الأشعري من مذهب المعتزلة ، فمرةً كان
يناقش أبا علي الجبائي وكان زوج أمه، فافترضوا مسألة الإخوة الثلاثة: أن هناك إخوة ثلاثة
الأول: عاش وعمل الصالحات فأدخله الله الجنة في منزلة معينة،
والثاني: مات صغيراً، فأدخله الله الجنة في منزلة تحت منزلة أخيه،
والثالث: عاش وعمل بالمعاصي فأدخله الله النار،
فالصغير يقول لربنا: يا رب! ارفعني إلى منزلة أخي، قال: إن أخاك عمل من الصالحات
ما لم تعمل أنت فلَزِم أن يكون أعلى منك، قال: يا رب! أنت قبضتني صغيراً {ما ذنبي!!}
ولو تركتني لآمنت وعملت الصالحات، وصرت بمنزلة أخي،
فقال له: لو تركتك فكبرت لكفرت، فرحمتك وراعيت مصلحتك وقبضتك صغيراً،
حينئذٍ صاح الذي في النار، وقال: يا رب! فلم تركتني كبرت؟ ولم لم تقبضني صغيراً؟
فإنه ليس من مصلحتي أن أدخل النار. فلما ألقى أبو الحسن الأشعري هذه المسألة على
أبي علي الجبائي لم يستطع جواباً وانقطع، قال: وقف حمار الشيخ!
وتركه وخرج إلى أبي محمد البربهاري ، الذي كان إمام الحنابلة في بغداد في ذلك
الوقت وكان له قصة عجيبة وهي:
أن الخليفة في بغداد مرة كان جالساً في قصره فسمع رجة كالزلزال، ففزع وسأل عن ذلك،
قالوا: لا شيء، إلا أن أبا محمد البربهاري عطس وأصحابه يقولون له: يرحمك الله،
فيرحمك الله هذه خرجت كالرعد ففزع منها الخليفة، مما جعل الخليفة
يقول:لا يساكنني في البلد، وأخرجه إلى خارجها.
فأبو محمد البربهاري كان ذا جلالة عظيمة في بغداد، وهو الذي كان يقف
لـأبي الحسن الأشعري عندما كان إمام الاعتزال فـأبو الحسن لما رجع ودخل على
أبي محمد البربهاري ، وقال له: أنا تبت ورجعت إلى مذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل ،
فلم يقبل منه البربهاري مع كثرة ما فعل بأهل السنة، فخرج أبو الحسن الأشعري من عنده
وصنف آخر كتبه، على ما يذكر أهل العلم وهو كتاب: الإبانة.
فالمقصود أنه لا حق للعباد على الله إلا بمقتضى وعد الله إياهم، أنه من عمل الصالحات يدخل الجنة