لم يخف حميد شباط، عمدة فاس، امتعاضه من النظام التعليمي والتربوي كما
يقترف، اليوم، في المغرب، مؤكدا، في حديث قبل أيام لـ”الصباح”، أن
المنظومة التربوية تساعد على إنتاج الفشل والكسل والخمول، بدل الاجتهاد
والإبداع والخلق، كما كان أيام زمان، حين كان الطفل شباط يتابع دراسته
بمدرسة “دريسة” بالشاون.
بعد أيام من هذا التصريح، سيمر العمدة إلى السرعة القصوى، ويجلس على
عرش أكبر حزب في المغرب وأقدمه تاريخا وارتباطا بقطاع التعليم، ما يعني أن
الكلام السابق قد يكون له معنى في اتجاه المساهمة والدفع بالإصلاح، أو
يتحول إلى مجرد فرقعات للاستهلاك الإعلامي، حين يصطدم الوافد الجديد بواقع
عنيد يقنع الرجل أن دار لقمان تظل على حالها إلى أن يرث الله الأرض ومن
عليها.
بين حزب الاستقلال والتعليم علاقة “عشق” فريدة، انطلقت منذ بداية
الاستقلال وتستمر، إلى اليوم، بأشكال مختلفة، وقد حُمل الحزب، خلال
السنوات الأخيرة، مسؤولية مسلسل الفشل والانحدار الذي أصاب المنظومة بسبب
عدد من الاختيارات والقرارات والعمليات الجراحية القيصرية التي حفظت باسم
أبناء علال الفاسي.
أقوى هذه الاختيارات، قرار تعريب التعليم الإعدادي الذي أصدره محمد
الفاسي، وزير التعليم، سنة 1957، انسجاما مع روح الحزب والهوية الدينية
للمغاربة، غير أن الحقيقة غير ذلك بالمطلق، وتهدف إلى تقسيم التعليم ما
بعد الاستقلال إلى تعليم نافع باللغات الحية يصلح لأبناء النخبة والأعيان،
وآخر غير نافع باللغة العربية يصلح لـ”الرعاع”.
لعبة التعريب مسلية جدا بالنسبة إلى عدد من وزراء الحزب، وكان لا بد أن
تحافظ على الإيقاع نفسه، حين انبرى المجلس الأعلى للتعليم سنة 1962، بضغط
من حزب الاستقلال، إلى تعميم قرار التعريب على جميع أسلاك التعليم، وقد ظل
القرار يتذبذب سنوات، إلى حين وصول عز الدين العراقي الذي استطاع، خلال
تسع سنوات قضاها على رأس الوزارة، أن يحول التعليم العمومي إلى مشتل
لتجريب أنواع الوصفات أوصلته إلى ما أشار إليه حميد شباط في تصريحه
لـ”الصباح”، وبلغ الأمر حد تعريب المواد العلمية إلى حدود الباكلوريا فقط،
ولكم أن تتخيلوا البقية.
لن نعود إلى التزامات حزب الاستقلال أمام الناخبين، أثناء الانتخابات
التشريعية السابقة، في الشق المتعلق بقطاع التعليم، ولا ننصح شباط
بالإطلاع عليها، حتى لا يصاب بالإحباط في أول عهد له بالتدبير الحزبي، لكن
من المهم التذكير بمسؤولية الحزب، دون غيره من الأحزاب الأخرى، والمهام
الجسيمة الملقاة عليه لإصلاح أوضاع منظومة التربية والتكوين، والمساهمة في
إخراجها من ظلام العبث والارتجال إلى رحابة المستقبل
educpress.