كان التقرير الرابع للتنمية الثقافية الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي، صادما وهو يكشف أرقاما نبهت إلى التدهور المخيف في نسبة القراءة بين العرب مقارنة بالغربيين، ويضعها أمام صناع القرار وراسمي السياسات الثقافية ببلدان العالم العربي، حتى وإن كانت النتائج غير مفاجئة لأنها امتداد واستمرار للذي كان عنوانا لدراسات واستطلاعات رأي سابقة لم تلقى آذانا صاغية... فالتقرير الثقافي أعطى أرقاما سوداء عن واقع قطاع النشر والمقروئية في العالم العربي، وعنوان «المغاربة لا يقرءون»، كان حاضرا بقوة، كما في تقارير أخرى سابقة كشفت عن «فضيحة» القراءة في العالم العربي. وفي الوقت الذي يشكل فيه متوسط قراءة الفرد الأوروبي نحو 200 ساعة سنويا حسب نتائج التقرير، تتناقص القراءة لدى الفرد العربي إلى 6 دقائق سنويا، وبصيغة تفكيكية لهذه الأرقام توضح تقارير سابقة ضمن هذه النتائج التي وصفت بـ «المخيفة»، أن معدل المقروء السنوي بالمغرب لا يتعدى نصف صفحة، بما يؤشر على أن نسبةَ القراءة بالمغرب لا تتجاوز 2 في المائة حسب إحصائيات أخيرة لمكتب الدراسات الديموغرافية والاقتصادية والقانونية والإحصائية (ايدسا) التي تمت بإيعاز من وزارة الثقافة. وهو رقم لا يستسيغه أغلب المثقفين في بلد من المعروف أنه يتوفر على 13 جامعة و65 من المعاهد والكليات وعشرات الآلاف من الطلبة الباحثين والمدرسين. ورغم ما يمكن تسجيله على لغة الأرقام من علل ونواقص، إلا أنها تبقى مع ذلك جردا جيدا للواقع، واجتهادا لا بأس به في تحديد مكامن خلل أزمة القراءة بالمغرب. فهل تعني هذه الأرقام أن المغربي في غنى عن القراءة والإطلاع، أم أنه لا يملك نصف ساعة في الأسبوع ليبدأ قراءة كتاب ما ؟، لماذا لم تستقطب القراءة عامة الناس إليها لتصبح ممارسة أو طقسا عاما...
أزمة نماذج تنمية:
في حديثه عن إشكالية القراءة بالمغرب، تناول الخبير الإعلامي يحيى اليحياوي في مقال له عن الموضوع، أن وجهات النظر في ذلك تختلف باختلاف السياق وبتباين زاوية الرؤية: وقال: «هناك من يرى بأن الأزمة القائمة لا تخرج في جوهرها عن كونها مجرد أزمة طلب تأويها وتتحكم فيها ظواهر الأمية المتفشية وتدني القدرة الشرائية وتعطل الدورة الاقتصادية ومحدودية السوق الداخلي.هي، وفق هذه الرؤية، أزمة تستنبط مصدرها من أزمة القارئ.وهناك من يرى بأن الأزمة إنما هي بامتياز أزمة عرض على اعتبار أن ما يتوفر من إنتاجات هي إذا لم تكن رديئة ومكرورة فهي بالقطع متواضعة ولا ترقى إلى ما يرتجيه القارئ منها. هي من أزمة الكاتب إذن ولا دخل للطلب بصلبها كبير. زهناك من يعتقد أن حصر التوزيع بهذه الجهة أو تلك دون سواها لا يجعل الإنتاج قادرا على تغطية فضاء القراءة المحتمل. أزمة القراءة هي بالتالي من أزمة التوزيع. وهناك من يعتبر أن السبب في كل ذلك كامن في عجز المنظومة التربوية والتعليمية المعتمدة على غرس شغف القراءة وتجذيره في نفوس الأطفال وفي ذهن الناشئة، فتبدو أزمة القراءة ولكأنها من أزمة ذات المنظومة في الجملة والتفصيل. ليخلص بأن «القائم الثابت، فيما نتصور، إنما هو حقيقة أن أزمة القراءة بالمغرب (كما بالمنطقة العربية) إنما هي من أزمة « نمادج التنمية» التي تم اعتمادها منذ ستينات القرن الماضي والتي لم تفرز إلا التخلف والمديونية والاستبداد وضياع المرجعية والأفق وما سواها. ولما كان الأمر كذلك وأكثر فيما نزعم، فإن هذه النمادج لم تنجح في إقامة أسس مجتمعات معرفية أو مجتمعات مبنية على العلم وعلى المعرفة. وعلى هذا الأساس فأزمة القراءة لا تغذو سوى كونها عرضا من أعراض هذا الفشل في شكله وفي بنيته كما في مضمونه وشكله...هي سبب فشل النماذج إياها والنتيجة الحتمية لذات الفشل».
النهوض بفعل القراءة:
ما عبر عنه اليحياوي حيال حقيقة إشكالية القراءة بـأنها أزمة « نماذج التنمية»، يحيل على ضرورة التعامل بايجابية مع خلاصات الأرقام، بوضع نهج مجتمعي للنهوض بالقراءة، إذ يؤكد الخبراء بأن الحاجة باتت ملحة إلى وضع استراتيجيات وطنية هدفها خلق مناهج دراسية حديثة تحفز على حب المطالعة، وسياسات تربوية وثقافية لتكريس فعل القراءة، وربما محفزات اقتصادية للعودة إلى القراءة باعتبارها باب أصيل للمعرفة.
أما محمد الشعباني» (أستاذ علم الاجتماع )، فيرى أن المدخل الأساس لفهم أزمة القراءة بالمغرب، يعود إلى أن المجتمع المغربي لم يكن مجتمعا قارئا، كما أن النظام التعليمي لم يكن يعتمد على القراءة بقدر ما كان يعتمد على التلقي الشفوي، وبالتالي لم تكن هناك هناك فرص للبحث والدفع بالمتلقي ليوسع مداركه ومعارفه من خلال القراءة العامة. ويضيف أن المدخل لفهم هذه الأزمة، مرتبط أيضا بخلفيات وجذوراجتماعية واقتصادية بالأساس. وكذلك بالجذور التاريخية للحركة الثقافية في المغرب التي لم تكن مزدهرة بالشكل الكبير، كما أن تداول الكتب كان منحصرا جدا، ولم تكن هناك وسائل تشجع الناس على القراءة، التي لا يمكن أن تزدهر إلا في مجتمع يفعل عوامل القراءة.
وحول مطالب نهج مجتمعي للنهوض بفعل القراءة، ذكر الشعباني أنها تنحصر أساسا على توفير الوسائل ووضع الاستراتيجيات لتشجيع القراءة عبر تحبيب القراءة للناشئة والانفتاح على كافة المواطنين، ولتوفير المقروء وإعطاء وسائل الدعم للوصول إليه. وهذه بحسبه مهمة كل المهتمين بالشأن الثقافي وعلى رأسهم وزارة الثقافة التي من اختصاصها هذه الوظيفة.
أربع وعشرون بالمئة من المغاربة فقط لهم رغبة في القراءة:
كشف استطلاع للرأي أجرته (ياهو مكتوب للأبحاث) في غضون السنة الجارية، كشف أن ربع سكان العالم العربي نادرا ما يقرؤون كتبا بهدف المتعة الشخصية أو لا يقرؤون أبدا، وقد شملت الدراسة 3503 شخصا من: الجزائر، البحرين، مصر، العراق، الأردن، الكويت، لبنان، ليبيا، المغرب، عمان، فلسطين، قطر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، واليمن. ووفقا لهذا الاستطلاع، فقد ظهر أن 24 بالمائة من المغاربة فقط لهم رغبة في القراءة، ويمثل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 46 و50 الفئة الأكثر اعتيادا على القراءة، في حين تكون القراءة بالنسبة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 36 و 45 مناسبتية ولا يواظبون على قراءة الكتب، في الوقت الذي تعرف الفئات الشابة بالمغرب عزوفا كبيرا عن القراءة. كما أكد على هذه القطيعة والهجران للكتاب، تصنيف المغرب في الرتبة 162 بلائحة القراءة حسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
دراســـــــــــــات:
● نشر عبد العالي الأزمي بحثا ميدانيا في مجلة « يصدر في المغرب»، مبينا من خلاله، كيف يحتك القارئ المغربي بالكتاب، ويتفاعل معه إيجابا أو سلبا. واتضح له أن القراء يطلعون على مصنف ما لأجل المتعة والضرورة، ولا يتعاملون مع القراءة بوصفها عادة متأصلة في سلوكهم وطبعهم. وهم، في غالبيتهم، لا يتوفرون على مكتبة منزلية، ويشتكون من رداءة الخدمات المكتبية لأنها لا تشفي غليلهم من حيث إرشادهم إلى العناوين التي يبحثون عنها أو يمكن أن تفيدهم وتستجيب لتوقعاتهم.
● أنجز فيرونيك دو بليك بحثا حول « سوق النشر بالمغرب». وقد استوفاه من جوانب عديدة معززة بالأرقام والنسب لبيان صعوبة الاستثمار في مجال النشر بالمغرب لارتفاع تكلفة الكتاب، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، وانتشار الأمية (52 بالمائة من مجمل سكان المغرب، بما فيهم 67 بالمائة من النساء و47 بالمائة بالمائة من الرجال) التي تقصي 15 مليون مغربي من قراءة الكتب وتداولها ( لا تبقى إلا نسبة ضعيفة 10 بالمائة تسحن القراءة والكتبة)، و عدم تعميم التعليم (67 بالمائة من المتمدرسين في البوادي مقابل 81 بالمائة من المتمدرسين في المدن، ناهيك عن الانقطاع المبكر عن المدرسة والهدر المدرسي). تطبع 2000 نسخة من الكتاب، وتطبع من الأسبوعيات 20 ألف نسخة. ولا يطبع من مجمل الجرائد المغربية إلا 400 ألف نسخة في أقصى الحدود. في حين يميل أغلب الناشرين إلى الكتاب المدرسي الذي يمثل 90 بالمائة من مجمل إنتاجهم السنوي بحكم مردوده العام واتساع نسبة التلاميذ ( ما يربو على 6 مليون تلميذ).
● خلصت دراسة أكاديمية إلى أن عدد الذين لا يقرؤون جرائد بلغ 30 بالمائة من عدد المستجوبين، وبلغت نسبة من يقرؤون جريدة مرة واحدة في الأسبوع حوالي 15بالمائة، بينما لم يتجاوز18 بالمائة من يطلعون على مضامين جريدة مرتين في الأسبوع، ووصلت نسبة الذين يقرؤون الجرائد أربع مرات 7 بالمائة، أما من يطالعون الجرائد خمس مرات فقد حددت في 5 بالمائة، وتجاوزت نسبة من يدمنون قراءتها طوال الأسبوع 30 بالمائة. وقد همت الدراسة، التي أنجزها المركز الدولي للدراسات الإستراتجية والحكامة الشاملة بتعاون مع مؤسسات أخرى بالمغرب، 1457 شخصا، 58 بالمائة من الذكور و42 بالمائة من الإناث.
● كشفت دراسة ميدانية أخيرة قام بها مكتب الدراسات الديموغرافية والاقتصادية والقانونية والاحصائية (ايدسا) بايعاز من وزارة الثقافة المغربية وشملت 1365 قارئا محتملا في 13 مدينة مغربية. ووجدت الدراسة أن القراءة بالمغرب قد تراجعت بنسبة 2 بالمائة بدليل أن واحدا من عشرة قراء محتملين لم يقرأ أي كتاب خلال العام الماضي فيما لم يقرأ 41 بالمائة من القراء أي كتاب منذ ستة أشهر أو أكثر، و26.5 بالمائة لم يتمكنوا من قراءة سوى كتاب واحد خلال سنة بكاملها، و19.3 بالمائة قرأوا كتابا خلال سنتين، و3.6 بالمائة خلال خمس سنوات، و9.6 بالمائة من المستجوبين لم يقرأوا إلا كتابا واحدا خلال خمس سنوات. وأن حوالي ثلثي القراء يقرأون قراءة متوسطة و23 بالمائة يواظبون على القراءة و11 بالمائة لا يقرأون إلا نادرا. وعن الأسباب الرئيسية للعزوف عن القراءة، كما جاء في الدراسة، هو ضعف القدرة الشرائية، والسبب الثاني هو عدم التوفر على الرغبة في القراءة، حيث قال ثلث القارئين العازفين عن القراءة أنهم لم يعودوا يمتلكون الرغبة في القراءة.
● دراسة ميدانية قام بها الباحث المغربي عبد الرحمان عبد الدايمي، كشفت عن الملامح العامة للقارئ المغربي وعن مشهد الطبع والنشر والخزانات والمكتبات بالمغرب. ومن بين النتائج التي كشفت عنها هذه الدراسة هو أن هناك فراغا في الإدارة الثقافية في المغرب.
أما عن ملامح القارئ النموذجي بالمغرب فيقول عبد الرحمان عبد الدايمي في دراسته أن القارئ النموذجي رجل سنه بين 20 و24 سنة بنسبة 18.35 بالمائة، يقيم في المدينة بنسبة 91.25 بالمائة، وضعيته الحالية طالب بنسبة 66.90 بالمائة، حاصل على الباكلوريا بنسبة 38.05 بالمائة، تكوينه أدبي بنسبة 69.05 بالمائة، يقرأ باللغة العربية بنسبة 59.60 بالمائة، وبالفرنسية بنسبة 23.60 بالمائة، القراءة بالنسبة له متعة بنسبة 76.95 بالمائة.
ومن بعض معطيات الدراسة أن دور النشر ظهرت بمبادرات فردية وتمركزت في غالبيتها بالمدن الكبرى، حيث يصل عددها الآن الى 32 دارا، 18 منها بالدار البيضاء و8 بالرباط و2 في مراكش ووجدة وواحدة في طنجة والقنيطرة. ويصدر عن هذه الدور حاليا 1000عنوان سنويا في مقابل 3000 عنوان في لبنان البلد الأصغر مساحة وأقل كثافة سكانية من المغرب، وتطبع من كل كتاب 3000 نسخة ولا تباع منه إلا 2000 نسخة في ظرف ثماني سنوات. وبخصوص وضعية المكتبات بالمغرب تكشف هذه الدراسة أن هناك 632 نقطة لبيع الكتب بالمغرب بما فيها من أكشاك ومكتبات، 150 مكتبة توجد بالمدن الكبرى، حيث أكد أغلب الكتبيين أن «المكتبة مشروع فاشل وأن المكتبات تراجعت بنسبة 13 بالمائة مقارنة مع بداية التسعينات»، وأن واجهات المكتبات بالمغرب ضيقة ولا تثير فضول المارة، وأن أربابها لا يستعينون بخبرة المنشطين الثقافيين ولا يتابعون جديد الاصدارات، هذا زيادة على تفشي ظاهرة الاستنساخ الضوئي والتي تحول دون تداول الكتاب بالشكل اللائق.
فضيحة القراءة في العالم العربي:
في التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية: كتـــاب لكــل 12 ألــف مواطـــن عربـــي
خلص التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية الصادر عن مؤسسة الفكر العربي، إلى أرقام مفجعة بالنسبة لأحوال الثقافة والقراءة في العالم العربي، فالكتب المنشورة في العالم العربي لسنة 2007 بلغت فقط 27809 كتب، ولا تمثل الكتب المنشورة في العلوم والمعارف المختلفة من هذه الرقم سوى15 بالمائة، بينما تصل نسبة الكتب المنشورة في الأدب والأديان والإنسانيات إلى 65 بالمائة.
وهناك كتاب يصدر لكل 12 ألف مواطن عربي، بينما هناك كتاب لكل 500 انجليزي، ولكل 900 ألماني، أي أن معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز 4 % من معدل القراءة في انجلترا على سبيل المثال.
وأعطى التقرير الرابع للتنمية الثقافية الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي،أرقاما سوداء عن واقع قطاع النشر والمقروئية في العالم العربي، وكشف التقريرالسنوي الرابع، الذي عرض في مؤتمر «فكر» بدورته العاشرة، المنعقدة مؤخرا في دبي بالإمارات العربية المتحدة. عن تدهورنسبة القراءة بين العرب، مقارنة بالغربيين الذين يقضون ساعات طويلة في القراءة. وفي الوقت الذي يشكل فيه متوسط قراءة الفرد الأوروبي نحو 200 ساعة سنويا، تتناقص القراءة لدى الفرد العربي إلى 6 دقائق سنويا.
وتكشف أحدث الإحصاءات... أن الأوربي يقرأ بمعدل 35 كتابا في السنة، والإسرائيلي 40 كتابا في السنة، أما العربي فإن 80 شخصا يقرءون كتابا (واحدا) في السنة. بعبارة أخرى، وحسب لغة الأرقام: 80 عربيا يقرءون كتابا واحدا، أوربي واحد يقرأ 35 كتابا، إسرائيلي واحد يقرأ 40 كتابا. والحصيلة: أن ثقافة أوروبي واحد تساوي ثقافة 2800 عربي، وثقافة إسرائيلي واحد تساوي ثقافة 3200 عربي
وتشير الإحصائيات العالمية إلى أن معدل قراءة الفرد العربي على مستوى العالم هو ربع صفحة، بينما يصل متوسط قراءة الأمريكي إلى 11 كتابا والبريطاني إلى 7 كتب.