لحكومة المغربية الجديدة في مواجهة مطالب الشارعhttp://t1.hespress.com/cache/thumbnail/article_medium/benkiraneerramid_255127288.jpg
الرباط - حكيم عنكر*
الجمعة 13 يناير 2012 - 23:56
البيان الحكومي المغربي الذي عرض على المجلس الحكومي، بعد أن جرى تشكيل لجنة للصياغة النهائية أوكلت رئاستها إلى وزير الدولة في حكومة بنكيران عبدالله باها، سوف يعرض على البرلمان من أجل المصادقة عليه، وهو في مضمونه لم يخرج عن الأرضية العامة التي شكلتها برامج الأحزاب الأربعة المكونة للتحالف الحكومي، وهي تتناول طرق تدبير عدد من القطاعات، الاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسها التشغيل والصحة والتعليم ونسبة النمو .
يصر بنكيران وفريقه على اعتبار هذه الإجراءات ذات صفة استعجالية، وهو لا يوفر فرصة من دون الحديث عن ذلك .
الإجراءات الاستعجالية والملموسة في القطاعات الاجتماعية التي ينتظر فيها المواطنون عملاً قوياً يؤدي إلى نتائج فورية وفي الزمن المنظور .
ونجد ملامح من السياسة الحكومية في ما قاله مصطفى الخلفي من أن الحكومة ستعمل، فور تنصيبها، على إقرار إجراءات تتعلق ب”مواجهة الفساد والفقر والبطالة، وضمان العدالة الاجتماعية، والنهوض بقطاعات الصحة والتعليم والسكن، باعتبارها الأولويات الكبرى التي انتخب المغاربة الحكومة لمباشرة العمل عليها” .
محاور البرنامج الحكومي ستنبني على تنزيل مقتضيات الدستور الجديد على المستوى المؤسساتي والقوانين التنظيمية والعادية، والسياسات العمومية المتعلقة بمجال الحقوق والحريات، ضمن رؤية تنتقل من البرنامج من مستوى العمل القطاعي إلى العمل وفق رؤية مندمجة لقضية الحكامة، وذلك بتضمين البرنامج الحكومي إجراءات تطبيقية مرفوقة بأهداف ومؤشرات رقمية، في إطار تعاقدات حول خمس قضايا تشكل محاوره الأساسية، وتتحدد في تعزيز الهوية المغربية، والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وإرساء دولة المؤسسات وتعزيز الحريات وتنزيل الجهوية المتقدمة وتعزيز السيادة والدفاع عن الوحدة الترابية وتقوية الإشعاع الخارجي للمغرب .
وفي الشق الاقتصادي ستعمد الحكومة إلى استعادة التوازنات الماكرو-اقتصادية، والحفاظ على معدل النمو في مستوى 5 بالمئة خلال السنة الجارية، قبل الانتقال به في السنوات المقبلة إلى مستوى 7 بالمئة، كل ذلك في إطار سياسة اقتصادية قال عنها الخلفي أنها ستكون “طموحة تركز على ما هو صناعي، وعلى فتح أسواق جديدة، إضافة إلى حل مشكلة العجز التجاري” .
وفي الجانب المتعلق بالثوابت والهوية، فإن التصريح الحكومي يركز على عدد من الثوابت المركزية الواردة في الدستور، ومن بينها أن المملكة المغربية دولة إسلامية، وأن الملكية من ثوابت نظام الدولة وهوية المجتمع، وأن الوحدة الترابية قضية ثابتة من ثوابت الأمة، بالإضافة إلى الإقرار بأن المذهب المالكي مرجع إسلامي للدولة، علاوة على دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية .
على مستوى الحكامة السياسة والحقوقية ومحاربة الفساد، فإن التصريح الحكومي يؤكد على تحصين الاختيار الديمقراطي للوطن والالتزام بأحكام الدستور الجديد والعمل على تنزيل مقتضياته وضمان نزاهة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وضمان الحق الدستوري للمعارضة ورسم مقاربة تشاركية لمحاربة الفساد، وتخليق الحياة العامة والمساهمة في تطوير الأداء الحكومي والبرلماني وضمان حرية الإعلام والمجتمع المدني في إطار القانون والمسؤولية إلحاق مراكز تهذيب القاصرين التابعة للشبيبة والرياضة ووزارة العدل .
في الشق الاقتصادي تنتظر حكومة بنكيران اتخاذ إجراءات حاسمة وبالأخص في ما يتعلق بإعادة هيكلة صندوق المقاصة ومنحه وظيفة جديدة، وتقنين الاستفادة منه، وبالأخص بالنسبة للشركات الصناعية أو المدرة للدخل .
إجراءات عاجلة
عملية إصلاح صندوق المقاصة وتوجيه المواد الأساسية المدعمة للمعوزين، سيكون الورقة الرابحة لحكومة بنكيران، ومن المنتظر أن يجري اعتماد خيارات اجتماعية في هذا الباب من بينها، دعم السكر والزيت والدقيق والغاز في أفق تخفيض أسعارها، وتخفيض دعم الكازولين الصناعي من 50 في المئة الى25 المئة مع تخفيض الضرائب .
بالإضافة إلى ذلك سيجري إحياء أو بالأحرى تعميم تجربة “بطاقة المعوز” التي جرى العمل بها في عدد محدود من المناطق، قبل سنوات، ولعل تجربة بني ملال وأزيلال في هذا المجال، تكاد تكون التجربة التطبيقية الناجحة، والتي أعطت نتائج إيجابية . و”بطاقة المعوز”، إذا ما جرى تعميمها على الصعيد الوطني ستكون هي المدخل للتحكم في صندوق المقاصة وتوجيهه إلى الفئات المستهدفة .
وتمكن البطاقة المستفيد من منحة شهرية من الدولة، واعتماد “بطاقة معوز” كآلية لضبط من يحق له الاستفادة من قارورات الغاز المدعوم من عدمه، والاستفادة من التغطية الصحية كنموذج مستوحى من تجارب دولية .
ويسعى البرنامج الحكومي أيضاً إلى السعي لتجميع المؤسسات النشطة في مجال التنمية البشرية تحت يافطة واحدة .
على مستوى القطاع الصحي، سيكون على حكومة بنكيران أن ترفع تحديات كبيرة في هذا القطاع الذي صنفته دراسة حول الفساد والرشوة ضمن أكبر القطاعات الاجتماعية تعرضاً للرشوة، حيث ترزح أغلب الخدمات الصحية تحت طائلة الرشى والعمولات التي يجري دفعها لمافيا تشتغل في القطاع الصحي ولوبيات متنفذة تستغل هذا المرفق الحيوي المهم والمصيري بالنسبة للمغاربة .
وتسعى الحكومة إلى تبني مقاربة قائمة على مبدأ الجهوية في تسطير الخريطة الصحية، في أفق إقرار عدالة في المرافق الصحية بين الجهات ولتعميم الخدمة الطبية للجميع وخلق مراكز تكوين جهوية لسد الاختصاص البشري وإطلاق رؤية جديدة من عناصرها تكوين الموارد البشرية في عين المكان، وتعميم نظام التغطية الصحية قائمة على إجراءات أكثر فعالية .
أما في مجال السكن الاجتماعي، فبدون شك أن الحكومة ستواصل العمل في هذا المجال من خلال متابعة محاربة تفعيل برامج محاربة السكن غير اللائق، وإعادة النظر في السياسة التعاقدية بين الدولة والجماعات المحلية في هذا المجال . وتقوية حضور الطبقة الوسطى في السكن الاجتماعي وإخضاع سوق العقار لمزيد من الضبط وتنظيمه ومحاربة مافيا العقار، ونهج سياسة متوازنة في هذا المجال قائمة على التوازن الجهوي .
يحظى الاستثمار والتصدير بأولوية أساسية في البرنامج الحكومي قيد الإعداد، من خلال التركيز على الأسواق الأوروبية والأمريكية والانفتاح على أسواق جديدة خاصة الآسيوية منها، وتعزيز حضور مناطق التبادل الحر، وتركيز مزيد من الحضور في السوق الإفريقية .
ويوجد ورش الاستثمار في قطاعات الطاقة والمعادن والماء ضمن الاستراتيجية الحكومية، مع تبني مقاربة جديدة لتطوير النجاعة في الاستعمال الطاقي وإطلاق أوراش جديدة لتحويل المياه ومواصلة سياسة السدود .
أما في المجال الفلاحي والصيد البحري فإن مشروع البيات=ن الحكومي يؤكد على أهمية مواصلة تنفيذ المخطط الأخضر والالتزام به كاستراتيجية وطنية في القطاع، وتبني حكامة جيدة تشاركية لتطوير القطاع واستغلال الثروة السمكية، ومقاربة تعاقدية محفزة لعصرنة الفلاحة وجلب الاستثمارات إلى القطاع وحماية المنتجات من تنافسية الأجنبية وإعادة النظر في سياسة الدولة تجاه العالم القروي والاستغلال الغابوي .
وفي المجال السياحي ستعمل الحكومة على تنفيذ رؤية 2020 الاستراتيجية في مجال السياحة وإعادة تأهيل قطاع الصناعة التقليدية كرافد اقتصادي مهم .
حديث الأرقام
يشكل إصلاح التعليم عنواناً من عناوين التزام الحكومة الجديدة، بسبب تصور التعليم العمومي عن أداء وظيفته ووجود تعليم خاص فوضوي ويشكل خطورة بالغة على الهوية الثقافية للبلاد، وبالتالي ليس من الغريب أن يركز التصريح على بناء مدرسة وطنية متجددة، منسجمة مع محيطها الوطني والدولي، وملبية لحاجيات مجتمع المعرفة وانتظارات المواطنين المشروعة، قائمة على تكافؤ الفرص، ومجانية، وتتبع منهج إلزامية للتدريس لكل الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 3 و15 سنة، ومحاربة الهدر المدرسي، والمرافقة المادية للتلاميذ، خاصة المعوزين منهم (نقل، داخلية، مطاعم مدرسية) وبنيات تحتية ملائمة مع المجموعات البشرية والمناطق السكنية .
في مجال الإصلاح الضريبي، سيركز البيان الحكومي على ضرورة إصلاح ضريبي فعال، عبر تخفيف العبء من الضريبة على الدخل عن الفئات الدنيا والمتوسطة، ورفع مساهمة ذوي الدخل العالي، وخفض نسبة الضريبة على الشركات في أفق اعتماد 25 في المئة، وتشجيع إدماج القطاع غير المهيكل، وتقوية مساهمة المقاولات المتوسطة والصغرى في مجهود التشغيل عبر رفع سقف المعاملات اللازمة لتطبيق نسبة 15 في المئة إلى 5 ملايين درهم، وإقرار منظومة جديدة للضريبة على القيمة المضافة في أفق إعفاء المواد الأساسية على المستويين الغذائي والطبي وتطبيق 30 في المئة على المواد الكمالية، وتثبيت وتوحيد السعر العادي على عموم المواد، مع إصلاح عميق للنظام الجبائي، بتخفيف الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للمواد الأساسية، والضريبة على الثروة والإرث، وتوسيع الوعاء الجبائي، ومحاربة التملص والغش الضريبيين، وإخضاع المداخيل العليا لضريبة مرتفعة .
انتظارات أخرى
أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فهناك ترقب لرفع معدل النمو من حوالي 7 .4 في المئة، إلى أكثر من 6 في المئة، مع العلم أن المغرب من الدول العربية القليلة، إذا ما استثنيت الدول المصدرة للنفط، التي تمكنت من تحقيق النمو المتوقع لعام 2011 أي نسبة 4 .6 في المئة بحسب صندوق النقد الدولي .
ويشهد المغرب نسبة بطالة عالية جداً عند الشباب، إذ إن 31،4 في المئة من الذين تقل أعمارهم عن 34 عاماً عاطلون عن العمل، ما جعل محور التشغيل أساسي في برنامج الحكومة، فالرهان هو خفض معدل البطالة بنقطتين، وتوجد وعود تشغيل ما بين 200 ألف عاطل في السنة إلى إحداث 250 ألف وظيفة لائقة سنوياً، الواردة في برامج أحزاب الأغلبية الحكومية .
بالإضافة إلى تقليص معدل الفقر إلى النصف، والرفع من معدل الدخل الفردي 40 في المئة في الخمس سنوات المقبلة، والتحكم في عجز الميزانية في حدود 3 في المئة من الناتج الداخلي العام، وتحسين ترتيب المغرب في مؤشر التنافسية إلى 60 في المئة، ومؤشر سهولة الأعمال إلى 70 في المئة .
هذه هو الإطار العام الذي سيتحرك فيه البرنامج الحكومي لحكومة بنكيران، وسيجعل عمل الحكومة الجديدة مطوقاً بالكثير من الالتزامات، فالشارع اليوم في المغرب ينتظر الكثير من هذه الحكومة التي يقودها الإسلاميون، وهي تجربة غير مسموح لها بالفشل، في ظل السياق المحلي الخاص الذي يتميز بتنامي الحركات الاحتجاجية في جميع القطاعات ومن طرف جميع الفئات الاجتماعية .
لذلك فإن حقنة زائدة من الشجاعة ومن القدرة على فتح الملفات الساخنة من شأنه أن يساهم في جانبين، الجانب الأول، تقديم تعويض نفسي للمغاربة الذين عانوا سنوات طويلة من سوء التسيير والتدبير، شرط أن لا يطول تعاطي هذا المسلك، لأنه سينقلب إلى ضده، والجانب الثاني، هو تحقيق منجز ملموس وفعلي يترجم على أرض الواقع، ويؤدي إلى تعزيز الثقة والمصداقية في الحكومة الجديدة .
رهانات ليست سهلة، وكما تقول العرب “دونها والقتاد”، ولوبيات تغذية الفشل ومقاومة التغيير .