كان النصارى يخشون قيام حركة واسعة النطاق في حالة الطرد النهائي للموريسكيين، لذلك أشير على أرباب الحل والعقد بطرد من هم مقاومون ومتعصبون لما يعلمون عنهم من اتحادهم في الداخل مع بعضهم ، وفي الخارج مع الأتراك والمغاربة ، وكان البلنسيون أخوف الناس، لأن كانت بلنسية دائما مهددة من قبل الأتراك والمغاربة لكونها على شاطئ البحر الأبيض المتوسط ، وإليها ترد السفن التي تأتي من آسيا ومن العالم الإسلامي ، ولكونها من المدن الغنية بالتجارة والصناعة والزراعة ، ولكون جل سكانها من الموريسكيين وهم فيها اليد العاملة وأصحاب الأموال .
نظم وزراء الدولة عملية الطرد بجيش قوي مختار من المرتزقة وعززوا به أمكنة الخطر ، وأنزلوا جيشا آخر من البحر في "أليكانتي" وغيرها من مراسي البحر الأبيض المتوسط، وكانت هذه الوحدات البحرية مؤلفة من وحدات غير إسبانية ، منها : وحدات جنوة ، ولمبارديا ، ونابولي ، وصقلية والبرتغال ، وقطعوا مياه بلنسية عنهم ، وهكذا تعاونت ممالك إيطاليا مع إسبانيا في طرد المسلمين ، ولما هيئ كل شيء انتظروا إصدار أوامر الطرد ، وكان قائد أسطول الإسبان يفكر في النزول إلى البر ليعزز جبال اسبدان التي كانت منها ثورة المسلمين الأولى بعد سقوط غرناطة .
لقد اختار فيليب الثالث لهذه المهمة الشاقة رجلا هرما من أخلص الناس له ، حيث كان في خدمة والده الملك السابق فيليب الثاني من قبل ، واكتسب شهرة لشجاعته في حرب فلاندرا يدعى "أغوستين دي ميخييا" Agustin de Mejia وقد تقلد عدة مناصب في الحكومة . وصل هذا الشخص إلى بلنسية في أواخر غشت وأعلم بوصوله قس المدينة ونائب الملك بها ، ولم يتأخر صدور المرسوم الملكي في هذا الشأن ، ففي يوم 23 شتنبر سمع الموريسكيون قراءة المرسوم الملكي بالشوارع والساحات يعلم بطرد كل من يتلاعب بالدين وغير مخلص لملكه .
أمر الموريسكيون بالحضور مصحوبين بأمتعتهم وأموالهم في ظرف ثلاثة أيام ليحملوا في مراكب بحرية إلى خارج إسبانيا ، ويستثنى من هذا كل الأطفال البالغ عمرهم أربع سنوات اللهم إذا لم يقبل آباؤهم أو أولياء أمورهم ، وسمحوا لعشرة من الموريسكيين بالعودة من المغرب لأجل أن يطلعوا إخوانهم على المعاملة الحسنة التي عوملوا بها من قبل رجال البحرية أثناء سفرهم . وينص المرسوم على أن يسمح بالإقامة في إسبانيا لستة أسر في كل مائة أسرة لأجل المحافظة والسهر على فنون الزراعة .
سمع الموريسكيون قراءة المرسوم ، فصاروا يبكون رجالا ونساء وأطفالا على فراق وطنهم الذي عاشوا فيه ودرجوا تحت أسمائه ، سيغادرونه إلى مكان لا يدرون ماذا سيكون مصيرهم به . ورغم مجهودات النبلاء الإسبان واتحادهم ضد فكرة الطرد لم يحصلوا على طائل ، وذهبت كل محاولاتهم أدراج الرياح .
لقد عين حكام للقيام بهذا العمل المشين ، فصاروا يجمعون من صدر عليهم الأمر بالطرد ، يأتون بهم جماعات ويساقون كالأغنام ليشحنوا في المراكب لحملهم إلى إفريقيا ، ولم يرد أحد ممن استثناه المرسوم بالبقاء أن يغتنم حريتهم بل فضلوا الخروج ، فكان منظرهم مؤثرا جدا ، كانوا يبكون ويقبلون رمال البحر مودعين أرض الوطن العزيز ، ويقول بعض المؤرخين : إن الموريسكيين كانوا يلاقون الطرد والإهانة حتى من المغاربة أيضا ، حتى أنهم كانوا (أي المغاربة ) يعتقدون أن الموريسكيين متنصرين باطنيا كما كان النصارى يعتقدونهم مسلمين باطنيا (وهو الحق) ، فكانوا مضطهدين من الجميع .
تم طرد الموريسكيين من سواحل فلنسية على دفعتين، وكان عدد المطرودين في البداية ما بين 60 و 70 ألف نفر ، وحسب وثيقة رسمية، غادر فلنسية بعد تمرد 27 أكتوبر عام 1609 ستون الف موريسكي . ولقد أحدث منظر الطرد في نفوس من بقوا حقدا وعداوة لا تتصور ، حيث إنهم يشاهدون إخوانهم وأقاربهم وأفراد عائلاتهم يساقون كالأغنام للشواطئ ، يشحنون في المراكب تاركين بيوتهم وأمكنتهم ومنتوجات أيديهم في الزراعة والصناعة ، أطفالهم يبكون ونساؤهم تعول ، وشيوخهم يتألمون وهم يستغيثون ولا يغاثون. وكذا انتزع قسم من أملاك من بقوا بإسبانيا .
كل هذا زاد في نفوس من سمح لهم بالبقاء بغضا وحقدا على الإسبان ، وجل من بقي محصورا في الشاطئ كالحيوانات ، وكل من صدر عليهم الأمر بالإبحار تطوقهم الحراسة الشديدة. ويقال إن أول مكان وقع منه الإبحار مكان يسمى القصر، وكان الإبحار في مراكب فرنسية . أما المبحرون فكانوا يقولون لمن بقوا : "سنعود قريبا بالنجدة والعدة والسلاح من المغرب لنثأر". ولكن لم تكن نفوسهم مطمئنة لهذا السفر فكانوا يقولون كذلك : "من يضمن لنا سفرا آمنا ، من الممكن أن نقتل أثناء عبورنا للمضيق ونطرح للسمك، ومن ينقذنا من الجيش ورجال البحرية ، وهم يعلمون أننا نحمل معنا أموالا وثروة ، ومن يضمن لنا شرف زوجاتنا وبناتنا من رجال الجيش ؟"، وبالفعل فقد صارت أكثر العائلات الموريسكية التي رحلت إلى المغرب وتونس ، ضحية للسرقة والنهب والقتل ورمي العديد منهم في البحر.