تعاني المنظومة التربوية اليوم من مجموعة أمراض مجتمعية خطيرة تتجلى في اهتزاز الثقة في المدرسة و تدني سمعة المدرس داخل المجتمع وارتفاع معدل التسرب من المدرسة و اللامبالاة والتسيب والعنف المتبادل والبطء والروتين والتسلسل الإداري المميت وتفشي مظاهر الفساد من نهب للمال العام ومن رشوة و محسوبية وزبونية ... ، إلى جانب العزوف عن الدراسة والتثقيف من قبل المتعلمين، وانتشار الأمية و تنامي ظاهرة البطالة والعطالة المستمرة...
بسبب عدم استجابة النظام التعليمي للحاجات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمجتمع وهجرة كثير من الأدمغة التي بذلت من أجلها المال والجهد ، والتأثير السلبي لتعميم التعليم الذي اتخذ بعدا كميا وعدديا على حساب الكيف/ الجودة .
ب-وضعية المنظومة من الداخل :
وتتميز وضعية التعليم من الداخل ب:
•ضعف التعبئة والالتفاف حول المدرسة العمومية .
•ضعف الإمكانيات المرصودة للتعليم ، ومعظم الموارد ترصد للنفقات المرتبطة بالأجور، مما يعوق تحقيق
الأهداف والرهانات المسطرة.
•عدم إشراك الفاعلين التربويين والشركاء الفعليين في صياغة أي مشروع من مشاريع الإصلاح.
•غياب الدافعية للبحث والتعلم الذاتي لرجل التعليم بعد الإحباط الذي خلفه تقنين متابعة الدراسة الجامعية لنساء ورجال التعليم.
•انعدام تكافؤ الفرص بين المؤسسات وبين الأقاليم وبين الجهات في جميع المجالات ،
•اتخاذ قرارات عشوائية لا تراعي خلق الظروف التربوية المناسبة ( الأقسام المشتركة - الضم- الخصاص- الاكتظاظ -إعادة الانتشار - الاغلاق – التحويل -....)
•عدم مصداقية الامتحانات الإشهادية .
•عدم مراعاة المذكرات الوزارية للخصوصيات المحلية ، (على سبيل المثال لا الحصر المذكرة رقم 122 المتعلقة بتدبير الزمن المدرسي، المذكرة 190 المنظمة لجدول حصص الإداريين، .....)
•عدم التحكم في اللغات بما فيها اللغة العربية وما تشكله اللغة من عائق حقيقي أمام تسهيل الانتقال من الثانوي إلى الجامعة أو إلى المعاهد العليا ( التلاميذ مطالبون من جديد بالانتظام في دروس اللغات ان هم رغبوا في متابعة دراستهم العليا سواء داخل المغرب او خارجه ). المدارس والمعاهد مفتوحة فقط في وجوه أبناء المدارس الخصوصية والبعثات الاجنبية ....
•عدم شفافية عملية اختيار المترشحين للالتحاق بالمدارس العليا أو بمعاهد ومدارس ومراكز التكوين بحيث يتم الاعتماد على الحاسوب للانتقاء مما يرجح كفة ذوي الإمكانيات المادية علما بان للساعات الخصوصية ولنقط المراقبة المستمرة - غير الموضوعية في اغلب الاحيان - دور أساسي في تحديد معدلات القبول .
•غياب الآليات والشروط والإمكانيات التي تتيح التلميذ المغربي اختيار التخصص الذي يناسب إمكانيته وميولاته وطموحه .
•غياب برامج عملية للدعم والتقوية والمآزرة للتلاميذ المتعثرين و غياب الدعم الكافي لذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء .
•تنامي ظاهرة العنف بأنواعه في الوسط المدرسي وتفشي مظاهر الانحراف في محيط المدرسة .
•غياب التكوين المستمر الجيد و ضعف التكوين الموسمي و غيابهما لفائدة فئات كثيرة من نساء ورجال التعليم .
•غياب التأطير والمصاحبة والتتبع والمراقبة والمحاسبة في جميع المجالات الإدارية والتربوية والمالية .
•انتقاءات مغشوشة ومقابلات مطبوخة بواسطة لجان غير مؤهلة وإلحاقات وتكليفات بمهام بالزبونية هي السمة الاساسية لاسناد مناصب المسؤولية .
•غياب إدارة تربوية مواكبة ومتمكنة من آليات التسيير الإداري والتربوي واقتصار دورها على توزيع البريد وعجزها عن تقديم المشورة التربوية بسبب غياب الشروط الموضوعية في الانتقاء وغياب التكوين والتأطير والمصاحبة .( مدير مدرسة ابتدائية –هل هو مدير او حارس عام أو معيد او مقتصد او موجه او مرشد اجتماعي او ساعي بريد ا و..او... او... ولائحة المهام طويلة )
•استمرار المحسوبية والزبونية في الحركة الانتقالية وفي الترقية وهما ركيزتان أساسيتان في استقرار الحياة العملية والنفسية و الأسرية لنساء ورجال التعليم حيث يتم تنقيل وترقية بعض المحظوظين خارج جميع الضوابط والشروط ومنهم للأسف الشديد بعض النقابيين المفروض أن يكونوا مؤتمنين على حقوق قواعدهم ؟؟
•التطبيق المجحف للمذكرة الوزارية رقم 97 وما تخلفه من عدم الشعور بالاستقرار لنساء ورجال التعليم ولأسرهم
مذكرة تفيض الشباب وتحكم على المرضى والعجزة بالعمل في القسم .
• ظاهرة الأشباح مركزيا وجهويا واقليميا ، والمتملصين الذين يتسترون وراء بعض النقابات او الجمعيات او الشخصيات النافذة والذين لا تطالهم يد الإدارة فيما العقوبات بشتى أنواعها تنهال على المخلصين والمجدين .
•العجز البين للأكاديميات عن الاضطلاع بالأدوار المنوطة بها بسبب عدم أهلية جل المسؤولين فيها مما جعل أدوارها تقتصر على تدبير الامتحانات و على تبذير/ تدبير الميزانيات، في غياب تام للمساءلة والمحاسبة .
•استيراد بيداغوجيات لاتراعي حاجيات الطفل المغربي وميولاته الفكرية والفنية والإبداعية .
• كثرة الاحتجاجات (الإضرابات، الإعتصامات ........)بسبب الإجهاز على مكاسب نساء ورجال التعليم و تهميش مطالبهم المادية والمعنوية وعدم تنفيذ الحكومة التزاماتها اتجاههم ( اتفاق 1غشت 2007 و اتفاق 26 أبريل 2011 على سبيل المثال لا الحصر )
• التمادي في سياسة الخوصصة من خلال تفويت قطاع التعليم للخواص للاستثمار فيه، وتشجيع التعليم الخصوصي و تفويت التعليم الأولي بشكل تدريجي للخواص و الذين يغلبون هاجس الربح والخسارة على الهاجس التربوي .
•النتائج السلبية لتفويت:البناء والصيانة والنقل والترميم والحراسة والأمن والفضاءات الخضراء وتدبير الداخليات للقطاع الخاص ولبعض المستثمرين وعدم شفافية الصفقات وتدني الخدمات المقدمة وعدم جودة الإشغال المنجزة .
• عدم تفعيل ادوار مجالس المؤسسة و عدم إشراكها أو استشارتها ( تحديد الحاجيات - اختيار المقررات التي يمكن
أن تناسب التلاميذ بمنطقتهم....)، حيث تتخذ القرارات دون استشارتها.
هذه هي السمات البارزة -في اعتقادي- للمنظومة التربوية المغربية علما بان هذه الأزمة الخانقة ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج للسياسات التعليمية اللاشعبية واللاوطنية وللمحاولات الإصلاحية المرتجلة و المتعاقبة التي لم تفلح في إخراجها من النفق المسدود الذي و صلت إليه بالرغم من أن المغرب يحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية من حيث إجمالى الإنفاق العام على التعليم بنسبة تقدر ب 30 بالمائة من ميزانية الدولة .
في ظل هذه الوضعية ، هل باستطاعة حزب العدالة والتنمية أن يحل عقدة التعليم ويفك خيوطها المتشابكة ؟؟
يليه إن شاء الله المحور السادس :ما هو المطلوب من حكومة بنكيران في ظل الوضعية الراهنة ؟
ذ. مولاي نصر الله البوعيشي