وزير التربية الوطنية قال إنه ليس كل عاطل عن العمل يصلح أن يكون مدرساً وزمن التعليمات إنتهى في قطاع التعليم
المصطفى مرادا
المساء : 06 - 03 - 2012
- مع بداية عملك كوزير للتربية الوطنية، اتخذت قرارات وصفها بعض الفاعلين الاجتماعيين بالجريئة، وفئات أخرى وصفتها بالمتسرعة، خصوصا في ملفات كانت محط نزاع كبير بين رجال التربية و الوزارة. كيف ترد؟
عندما تم تعييني في الوزارة، تتبعت عبر الصحافة الوضع الذي كانت عليه المنظومة التربوية، وبدأت الاهتمام بصفة أدق بالملفات، ودخلت للوزارة في أول يوم، وبدا لي أن هنا ثلاثة موجهات أساسية ستحكم عملي في القطاع. أولا، علي أن أخلق الاستقرار في المنظومة، حيث لن تنزل الوزارة بأي إصلاح أو قرار فوقي دون إجراء مشاورات واسعة. ثانيا، إجراء تقويم شامل لما شهده القطاع من إجراءات وسأقول فيها وجهة نظر. ثالثا، الوزارة لن تكون سجينة الحزبية، إذ هناك وزارة الدفاع الوطني التي تدافع عن حوزة التراب الوطني والمؤسسات، ووزارة التربية الوطنية، التي تكون الأجيال التي ستسير هذه البلاد التي ندافع عن ترابها ومؤسساتها. إذن لا يمكن أن يهيمن حزب أو فكر على وزارة التعليم، لأننا سنكوّن أجيالا مؤهلة عندما ستصل إلى سن الرشد لاختيار الفكر السياسي التي تريد واختيار التطلعات التي تريد.
- كيف ذلك؟
سنكونها على ثلاثة مبادئ كبرى. أولا، مبدأ الوطن. ثانيا، الدين الإسلامي والمذهب المالكي، لأني عشت في الشرق، وعرفت جيدا ما حصل في البلدان التي تنخرها المذهبية، وبلدنا منذ قرون طويلة اختار المذهب المالكي، وهو مذهب استراتيجي للمستقبل، فهو عنصر يخلق اللحمة بين المغاربة. وثالثا الملكية. وكما قلت الملكية عنصر استقرار وعنصر توحيد، والملك حامي الملة والدين، وله أيضا مسؤولية في موضوع التربية. إذن هذه هي المبادئ الثلاثة، التي دخلت بها للوزارة منذ اليوم الأول، وبعد ذلك بدأت في تقويم وضعية التعليم بالمغرب، فوجدت أنه يشهد فتنة، فتنة منذ 2009، وزادت التطورات التي شهدها المغرب في 2011 من قوة هذه الفتنة، فقلت لابد لتحقيق الاستقرار في القطاع وإزالة شروط هذه الفتنة من ثلاث خطوات. أولا، المذكرة 122، فوزارة التربية الوطنية في نظري وزارة سهلة وليست معقدة، فهذه المذكرة هي عبارة عن مذكرة بيروقراطية وإملاءات فوقية، وقلت إن هذه المذكرة ببساطة تعنى باستعمال الزمن كما عرفناه في وقت سابق، وأن مشكلة واضعيها أنهم ضخموا من المفاهيم، التي استعملوها، إذ سموها «تدبير الزمن المدرسي»، مع أنهم يقصدون استعمال الزمن، والذي كان يضعه هو المدير والأساتذة في المؤسسات. لذلك فهذه المذكرة لم تعط هامش الحرية للمدير التربوي ولمجالس المؤسسات لتسيير مؤسساتهم، فعندما يضع المدير بشراكة مع أساتذة المؤسسة استعمال الزمن، يأتي المفتش لمراقبة شيئين، هما التركيبة البيداغوجية حتى لا يكون ضغط على التلميذ، وخلق توازن في اليوم وتوازن في الأسبوع، وبالتالي في السنة، والمفتش له مسؤولية مراقبة تأدية المدرس للساعات الإجبارية للتعليم..
- لكن المفتشين فهموا شيئا آخر هو أن هذه الوثيقة هي تجاوز لصلاحياتهم وإقصاء لهم؟
السادة المفتشون للأسف، وبعقلية التعليمات فهموا من الوثيقة التي أرسلتها بأنني عندما لم أتوجه إليهم مباشرة بالخطاب، فقد أقصيتهم، فاجتمعت بهم، وقلت لهم إنكم على خطأ، فمهمة المفتش حددها القانون. أنا أطلب منكم تطبيق ما ينص عليه القانون المنظم لعملكم. أنا حينما لم أذكر المفتشين في الرسالة، اعتبروا الأمر إقصاء لهم، وأنا شخصيا أفسره بسيطرة عقلية التعليمات عندنا في المغرب، إذ الكل ينتظر التعليمات، وهذا ما سأحاربه في هذه الوزارة. لا مكان لعقلية التعليمات بعد الآن، فهذه المذكرة التي ألغيتها لم تترك هامش الحرية للفاعلين في المؤسسات التعليمية، فإذا لم نترك مجالا للحرية للأساتذة والإدارة التربوية فماذا سيتبقى من المؤسسة التربوية؟ أنا أريد أن أقلب المعادلة. ليست الوزارة هي العمود الفقري للقطاع، بل المؤسسة التربوية هي العمود الفقري، وأنا أريد رد الاعتبار للمؤسسة من خلال إلغاء هذه المذكرة. هذا لا يعني أنني سأترك فراغا، بل أحضر مراسلة الآن للكيفية التي ستنظم عملية إنجاز استعمال الزمن مع إعطاء هامش الحرية للمؤسسات التربوية، لذلك ابتداء من الموسم الدراسي المقبل سينجز استعمال الزمن مع بداية الموسم وليس طوال السنة.
ثانيا، المذكرة 204 حاولت أن أعطيها تصورا جديدا ومختصرا حتى لا تكثر التأويلات، فقلت إن بيداغوجيا الإدماج لن تدخل للثانوي حتى ننجز تقويما لها في التعليم الابتدائي، وحين يتبين لنا أنها أعطت نتائج على مستوى الجودة، ساعتها يمكننا تعميمها. أما الآن فسنقوم بتقويمها، فألغيت أيضا التقويمات التي كان الأساتذة يقومون بها على ضوء هذه البيداغوجيا، بناء على استشارات واسعة جدا مع متخصصين ومديرين وأساتذة، فما رأيته في طريقة إجراء المدرس لهذه التقويمات تعني ببساطة أن المدرس ستنتهي مهمته التربوية الحقيقية، ويجب أن تكون لدى كل معلم كاتبتان خاصتان، و لدى المدير عشر كاتبات، ولدى كل مفتش عشر كاتبات لأن ذلك يتطلب مجهودا ورقيا محضا لا مكان للتربوي فيه. لذا أوقفت عملية التقويم الورقي، وسأعطي للمعلم هامشا للحرية، بحيث يقوم بالتقويم بالطريقة التي يراها مناسبة على أساس التكوين المستمر، وبالطريقة التي كان يتم بها قبل هذه المذكرة، وهي مسألة سهلة وسلسة بعيدا عن تعقيدات هذه المذكرة. وما قمنا به مع هذه المذكرة هو إعطاؤها تسميات كبيرة، لكنها فارغة في العمق. والذي يريد تنفيذ مضامينها لن يجد نفسه مربيا، بل كاتبا عموميا على الأوراق، لذلك يجب إرجاع الهوية التربوية إلى المدرس.
ثالثا، مدرسة التميز. أحد المديرين اتصلت به لأن تلاميذ مؤسسته نظموا وقفة احتجاجية، وسألته له: هل قرأت الوثيقة على الأساتذة والتلاميذ؟ فاكتشفت أن هذا المدير لم يقرأها. إذ أن الوثيقة التي أرسلتها قرأناها أكثر من عشرين مرة، حتى تمت صياغتها بطريقة واضحة، وهذا المدير يقول لي: «قابلة للتأويلات»، لذا سألته: هل أنت هو المجلس الدستوري؟ فإذا عدنا إلى الوثيقة، فإنني ألتمس منهم العودة إلى صيغة المؤسسة العادية، بما يضمن السير العادي للدراسة ويراعي مصلحة المتعلمين والمتعلمات، ولكن بعد سلسلة الاحتجاجات وحجمها، عرفت أن وراءها أشياء لا علاقة لها بالتميز كهدف نبيل، بل بوجود بعض الأساتذة الذين يعملون عشر ساعات، ويدرسون عشرين تلميذا، فحرضوا هؤلاء التلاميذ. إن التلميذ الذي ظهر في ثانوية مكناس يقود الاحتجاجات، اتصلت به في منزله، وشجعته على نضاله، فقد يكون غدا زعيما سياسيا في هذا البلد، وطلبت منه أن يفسر لي ما فهمه من الوثيقة، وقلت له: «من قرأ عليك الوثيقة كذاب»، وطلبت منه أن يعود إلى من حرضه وأن يطلب منه أن يقرأ عليه رسالة الوزير ليس شفويا.
- وماذا عن مراكز التكوين الجهوية بعد قرار إلحاق المدارس العليا بالجامعات واستمرار تولي هذه المدارس مهمة تكوين أساتذة التعليم الثانوي لنجد أنفسنا أمام هذه المفارقة: أساتذة جدد في المراكز الجهوية مكلفون تكوين مدرسين جدد؟
هذا موضوع فعلا يحتاج إلى تنسيق مع وزارة التعليم العالي، وأنا والسيد الوزير لحسن الداودي، نشتغل بشكل تشاركي مكثف، لأن المتخرج من قطاع التعليم المدرسي يلتحق بالتعليم العالي، والعكس صحيح أيضا. ونحن ننسق لكي نضبط حاجياتنا للتدريس. ويظهر أننا سنعاني من خصاص في المستقبل على مستوى هيئة التدريس في الفرنسية والرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض. كما لنا خصاص الآن في تخصص الإنجليزية، ونحن ننسق لكي ننظم عملية التوجيه للتلاميذ الحاصلين على الباكلوريا لهذه التخصصات.
وفيما يخص مراكز التكوين الجهوية لابد من أن تكون لنا سياسة تكوينية لكي نواجه الخريطة المدرسية. ونحن لنا خصاص كبير يتم سده مؤقتا بأساتذة سد الخصاص والساعات الإضافية، لأن الدولة لا يمكنها أن تخلق كل ما يحتاجه القطاع اليوم من خصاص. نحن في حاجة إلى 15 ألف منصب سنويا، لكن الدولة غير قادرة على ذلك، فقانون المالية المقبل لا تتعدى المناصب الجديدة فيه 26 ألف لجميع القطاعات، وكتلة الأجور في التعليم ترتفع يوما عن يوم مقارنة بكتلة الأجور في باقي القطاعات، لذلك علينا ضبط عملية التكوين. وما قلته للدكاترة مثلا، هو أن تحقيق مطالبهم ينبغي أن يكون بالتدريج، لأنه لا يمكن ترك الفراغ في مستويات التعليم الأخرى، التي كانوا يشتغلون فيها. وبخصوص إلحاق الدكاترة بمراكز التكوين الجهوية ابتداء من السنة الدراسية المقبلة، لا يعني أن كل من حصل على الدكتوراة هو بالضرورة مؤهل ليصبح مكونا، ففي الجامعة ذاتها هناك تدابير للانتقاء تقوم بها لجن لمعرفة الأصلح لمهمة التدريس في الجامعة.
لا يمكن الاستمرار في تخريب تعليم بلادنا، فتعلمينا لا يعاني بسبب مستوى التلاميذ، بل لأن الأستاذ عليه أن يكون مؤهلا للمهمة التي يقوم بها، أن يكون «صنايعي» ومحترفا له رغبة في التعاطي مع هذه المهمة، فليس كل عاطل لم يجد عملا في قطاع ما يصلح أن يكون مدرسا، لأن مهنة التدريس تفترض رغبة وحافزا. لذلك سننهج سياسة تكوينية خاصة، سواء بالنسبة إلى الأساتذة الجدد أو الأساتذة القدامى في إطار التكوين المستمر. هذا هو سبيل الجودة.
- وماذا عن مصير الميزانية الضخمة التي خصصت للبرنامج الاستعجالي؟
نحن الآن بصدد تقويم البرنامج الاستعجالي في جانبه المادي، والمنجزات الحقيقية والمشاريع التي لم تنجز، وهذا يحتاج إلى وقت لتحصيل هذا التقويم والاستنتاجات. وبالنسبة إلي إما أن تكون المدرسة مبنية أو غير مبنية، وأنا بعثت بلجان إلى كل الأكاديميات لمعرفة حقيقة المنجزات والتعثرات التي سنعترف بها، وبعض الأكاديميات لا تملك للأسف آليات لمراقبة عملية الإنجاز وتتبعها، وهذا أمر سنعالجه بوسائلنا الخاصة وبهدوء، والقول بالحكامة الجيدة لا يعني أن نقوم «بمطاردة الساحرات» مرة ثانية، بل هناك خطوات مؤسساتية مضبوطة، فهناك مفتشية للمالية والمجلس الأعلى للحسابات، وبعد ذلك نلجأ إلى القضاء، وما أريد التأكيد عليه للرأي العام هو أني ألتزم بألا يدخل للوزارة مكتب دراسات أجنبي، وسأعتمد على كفاءاتنا الوطنية وتجاربنا التي راكمناها على مدى الستين عاما بعد الاستقلال، لأنه إن لم توجد هذه المكاتب فهذا معناه أننا ننادي على الاستعمار، وبلادنا بها خبراء، وهذا مهم بدل الاعتماد على مكتب دراسات أجنبي ينتمي إلى بلد لم تطبق ما يقوله هذا المكتب. إن حمى مكاتب الدراسات في وزارة التعليم انتهت الآن.